أمّة لا تقدّر ذاتها
د. خليفة علي السويدي
من الأمور التي يُجمع عليها أهل الاختصاص في علم النفس أهميةُ تقدير الذات لدى الإنسان، فمن لا يُقدر ذاته مهما علا شأنه، يبقَ شيء من الاهتزاز والاضطراب في شخصيته. الإنسان إذا لم يشعر أن لذاته قيمةً يتخبط في حياته، وقد يقوده الأمر إلى أفعال سيئة ومنها التفكير في الانتحار. ومن الأمور التي أحسن فيها "ماسلو" -العالم المشهور الذي صنف الحاجات الأساسية للإنسان- أنه رتَّب الحاجات الأولية أو المادية في أدنى السلم والحاجات المعنوية كتقدير الذات في أعلاها.
والسؤال هو كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى المستوى المناسب من تقدير الذات؟ هناك أمور كثيرة لن أعقّدها عليكم، لكن من أسهل الأمور أن يتمكن الإنسان من إنجاز يفخر به وبهذا يعرف الإنسان أن لحياته معنىً، وعندها فقط يتعافى الإنسان مما به من أمراض اكتسبها خلال حياته وبالذات في طفولته. وهنا نتذكر قصة أحد الوزراء عندما حقق العديد من الإنجازات في حياته، دعا في حفلة عشاء من تأثر به، فكان من بين من حضر الدعوة معلم التربية البدنية الذي كان درَّسه في المرحلة الابتدائية، فلما قدم الوزير نفسه للمعلم قال ضاحكاً: طبعاً لن تتذكرني لكثرة من علمتهم، فقال له المعلم بل أنت الوحيد الذي لن أنساه، فقال الوزير أنا أتذكرك لأنك طلبت مني الالتحاق بمسابقة للجري في المدرسة الابتدائية، وعندما أردت الاعتذار منك لأنني لم أكن رياضياً، بل كنت منطوياً على نفسي، ولا أحب الميادين العامة، قلت لي بل من الواجب عليك أن تشارك. وقد ساعدتني على التدريب قبل المسابقة، وكانت النتيجة مذهلة، فقد فزت في مسابقة الجري وبعدها بدأ التلاميذ يتقربون مني ويتحدثون إليّ مما أشعرني بالفخر وساعدني في التخلص من عقد الطفولة، وبفضل هذا تغيرت حياتي حتى وصلت إلى هذه المرتبة، فشكراً لك على هذه الخدمة التي غيرت اتجاه حياتي، لهذا لن أنساك أبداً، فرد عليه المعلم: وأنا لن أنسى ذلك اليوم، لأني طلبت من التلاميذ ألا يجروا كما ينبغي كي تكون أنت الفائز، ضحك الوزير من عقل المعلم وأكملوا سجل الإنجازات.
ملخص القصة أنه كي يتمكن الإنسان من الوصول إلى المستوى المناسب من تقدير الذات فهو بحاجة إلى إنجاز يفخر به ويراه الناس، وعندها سيكون للحياة معنى، وسيستشعر الإنسان أنه وجد لغاية كبرى.
كان ما سبق مقدمة أساسية لمقال أمّة لا تقدر ذاتها، فكما أن سر الأمراض النفسية التي يعاني منها البشر يكمن في متغيرات أساسية أهمها عامل تقدير الذات، كذلك الأمّة التي تحدث عنها ابن خلدون في مقدمته وشبهها بالإنسان الذي يكون طفلاً ثم شاباً وهكذا حتى تكمل المسيرة.
هذه الأمّة تمر بفترة قبل الانهيار تفقد فيها تقديرها لذاتها أو يخيل إليها أنها بلا ذات، وأن ليس في الإمكان أفضل مما كان، وبالتالي يفقد أهل هذه الأمّة ثقتهم بأمتهم ويتمنون لو أنهم لم يكن لهم انتماء لهذا الوطن. وأمتنا العربية اليوم تمر بهذه المرحلة التي يحاول البعض أن يفاقمها سوء التركيز على جوانب الخلل فيها. وبلا شك لا توجد أمة بلا خلل يرصد ثم يحل، لكن المصيبة في الطرح السلبي أنه يهتم بالخلل ويفاقمه ويعظمه كي يصل الناس إلى مرحلة اليأس التي تسبق الانهيار أو التفكير في الانتحار، وهذا ما لا نريده لهذه الأمة، فهي -ولله الحمد والمنة- لها تاريخ في الحضارة الإنسانية لا يستطيع أن ينكره أحد، وهي مركز الحضارات القديمة، كما أن التاريخ سطر فيها أفضل مراحله.
نعم هي تمر بمرحلة فيها شيء من العجز، لكن الخلل لا يُعالج بخلل مثله، بل بالبحث عن الدواء المناسب لعلاج الأمر، وهذا ما نسعى إليه ونحرص عليه، وينبغي أن تتكاتف له الأيدي وتجتهد حوله العقول، وذلك إذا أردنا أن تكون لنا مكانة في عالم اليوم الذي لا ينجح فيه إلا الأقوياء.
*نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية
د. خليفة علي السويدي
من الأمور التي يُجمع عليها أهل الاختصاص في علم النفس أهميةُ تقدير الذات لدى الإنسان، فمن لا يُقدر ذاته مهما علا شأنه، يبقَ شيء من الاهتزاز والاضطراب في شخصيته. الإنسان إذا لم يشعر أن لذاته قيمةً يتخبط في حياته، وقد يقوده الأمر إلى أفعال سيئة ومنها التفكير في الانتحار. ومن الأمور التي أحسن فيها "ماسلو" -العالم المشهور الذي صنف الحاجات الأساسية للإنسان- أنه رتَّب الحاجات الأولية أو المادية في أدنى السلم والحاجات المعنوية كتقدير الذات في أعلاها.
والسؤال هو كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى المستوى المناسب من تقدير الذات؟ هناك أمور كثيرة لن أعقّدها عليكم، لكن من أسهل الأمور أن يتمكن الإنسان من إنجاز يفخر به وبهذا يعرف الإنسان أن لحياته معنىً، وعندها فقط يتعافى الإنسان مما به من أمراض اكتسبها خلال حياته وبالذات في طفولته. وهنا نتذكر قصة أحد الوزراء عندما حقق العديد من الإنجازات في حياته، دعا في حفلة عشاء من تأثر به، فكان من بين من حضر الدعوة معلم التربية البدنية الذي كان درَّسه في المرحلة الابتدائية، فلما قدم الوزير نفسه للمعلم قال ضاحكاً: طبعاً لن تتذكرني لكثرة من علمتهم، فقال له المعلم بل أنت الوحيد الذي لن أنساه، فقال الوزير أنا أتذكرك لأنك طلبت مني الالتحاق بمسابقة للجري في المدرسة الابتدائية، وعندما أردت الاعتذار منك لأنني لم أكن رياضياً، بل كنت منطوياً على نفسي، ولا أحب الميادين العامة، قلت لي بل من الواجب عليك أن تشارك. وقد ساعدتني على التدريب قبل المسابقة، وكانت النتيجة مذهلة، فقد فزت في مسابقة الجري وبعدها بدأ التلاميذ يتقربون مني ويتحدثون إليّ مما أشعرني بالفخر وساعدني في التخلص من عقد الطفولة، وبفضل هذا تغيرت حياتي حتى وصلت إلى هذه المرتبة، فشكراً لك على هذه الخدمة التي غيرت اتجاه حياتي، لهذا لن أنساك أبداً، فرد عليه المعلم: وأنا لن أنسى ذلك اليوم، لأني طلبت من التلاميذ ألا يجروا كما ينبغي كي تكون أنت الفائز، ضحك الوزير من عقل المعلم وأكملوا سجل الإنجازات.
ملخص القصة أنه كي يتمكن الإنسان من الوصول إلى المستوى المناسب من تقدير الذات فهو بحاجة إلى إنجاز يفخر به ويراه الناس، وعندها سيكون للحياة معنى، وسيستشعر الإنسان أنه وجد لغاية كبرى.
كان ما سبق مقدمة أساسية لمقال أمّة لا تقدر ذاتها، فكما أن سر الأمراض النفسية التي يعاني منها البشر يكمن في متغيرات أساسية أهمها عامل تقدير الذات، كذلك الأمّة التي تحدث عنها ابن خلدون في مقدمته وشبهها بالإنسان الذي يكون طفلاً ثم شاباً وهكذا حتى تكمل المسيرة.
هذه الأمّة تمر بفترة قبل الانهيار تفقد فيها تقديرها لذاتها أو يخيل إليها أنها بلا ذات، وأن ليس في الإمكان أفضل مما كان، وبالتالي يفقد أهل هذه الأمّة ثقتهم بأمتهم ويتمنون لو أنهم لم يكن لهم انتماء لهذا الوطن. وأمتنا العربية اليوم تمر بهذه المرحلة التي يحاول البعض أن يفاقمها سوء التركيز على جوانب الخلل فيها. وبلا شك لا توجد أمة بلا خلل يرصد ثم يحل، لكن المصيبة في الطرح السلبي أنه يهتم بالخلل ويفاقمه ويعظمه كي يصل الناس إلى مرحلة اليأس التي تسبق الانهيار أو التفكير في الانتحار، وهذا ما لا نريده لهذه الأمة، فهي -ولله الحمد والمنة- لها تاريخ في الحضارة الإنسانية لا يستطيع أن ينكره أحد، وهي مركز الحضارات القديمة، كما أن التاريخ سطر فيها أفضل مراحله.
نعم هي تمر بمرحلة فيها شيء من العجز، لكن الخلل لا يُعالج بخلل مثله، بل بالبحث عن الدواء المناسب لعلاج الأمر، وهذا ما نسعى إليه ونحرص عليه، وينبغي أن تتكاتف له الأيدي وتجتهد حوله العقول، وذلك إذا أردنا أن تكون لنا مكانة في عالم اليوم الذي لا ينجح فيه إلا الأقوياء.
*نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية